Beirut October, 1973

عند “الوداع”
إن رست جبال المشيب على كتفيك وعصفت عواصف الزمان في دنياك يوماً ونال منك الوهن فما لك من نصير يا صاحبي إلا الشجاعة والصبر، حديقة العقل طعم ثمارها حصافة الفكر وبعث الآمال
من مناهل الرشد.
لذا خذ المداد من عصارة العصور حكمةً وامسك بصوارم الإيمان واكتب على وميض نصالها العمر كله رمال صحراء وآمال وسراب لذا كن أشد من الحوام وافرح إن تركت وسم برثن على ورك جبل ليبقى ثروة الحياة مع البقاء. هنا دع الشك عنك وانظر إلى أبواب السماء مؤمنأ بالله وأنت على مرقاة الأيام قف وانظر إلى هناك، هناك على طريق السنين أجذال تحترق في غابة الحياة والدخان يغطي السهول
والأرياف والعاصفة أبداً عاتية والغيوم باقية خصام بينها وارتطام بريق ثم ظلام هنا تنشق يا صاحبي رياح الشباب وانس الكهولة  والعذاب واذكر صهيل الخيل وهمس العذارى وحنين الأحباب وعند الوداع
قف بشجاعة قبل الغروب واستغفر الله عند الغياب .
منتخبات من شعر جودت حيدر
من قصيدة له يخاطب البحر، فيقول :
“كن سريعا” كلحاظ العين ارتفاعاً
وانظر من الافق إلى الهوادي، في البحر، أبدًا عطشى للحرية
تسجد، وبقدرة قادر تنهض كالمصلين ما بين المد والجزر ..
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ….
لقد ايقنت أن الهوادي آمنت بالانجيل والقرآن ديناً… وأنا أنظر اليها تركع بخشوع وتعمد الشواطئ وتصلي صلاة الغروب والفجر على الرمال.
تتراجع لتبشر بالتقوى ما بين الأسماك وسائر الكائنات في البحر.
هكذا، عظمة عظام الوجنتين تبقى مع الدين عبادةً، ومع الحرية يقظةً وجهاداً. والخيول أبداً في الطراد تحثها الركاب لتواكب الرياح مسيرة وأنفاسها براكين بخار تتصاعد سحباً سابحات في الفضاء تتلاطم وتتلاحم أصواتها رعوداً، وبرقها يستشعر كسيوف الشعراء بالفكر الثاقب الوضاح .
سبحانك ربي، هذه الحاميات للبحار والغاديات للبراري كيف تحن لمرابطها ورضيعها، وتهادن الشواطئ لتلملم عباها وتجري، وهي كالتراب على الممرات تنقلب، عمائم بيضاء، فرق جهاد موحدة وموحدة توشوش بعضها بعضاً أسرار الخلاص من العبو دية، فتنصهر مع التكوين لتكون من لجب البحار مدار قوة كالمرقات على حائط الزمان ترتكز.
ومن أعلى درجاتها سمعت الأسماك وسائر الكائنات في البحر تنادي: “نحن تعمدنا وآمنا”، وآمن البحر على يد شاعر عربي .
لبنان 30 كانون التانى 1992
أين نحن قاطنون..؟
خذ النجيع من رعاف الفكر الثاقب وأزرق وريد الضعف في أمة آض يباس ربيعها وهرعت الى خريفها وهي لا تدري، يا ويلتاه كيف مر الزمان بها واستحالت وعرة قمر تستمد نو رها الخافت من سراج البداوة وظاهر السراب في شعاع الشمس على لرمال، أمة في ماضي الأيام هبط الوحي عليها واستحوذت على الايمان والعلوم واجتازت عتمة العماء بسلطانها، وحلت في مضافة النجوم يوماً واسرجت خيول الريح وانطلقت على المجرة إلى الزهرة وصوبت سهام مجدها إلى تخوم الفضاء وصرخت يا قدر لقد أصبحنا بعد اليوم نحن والنجوم جيران. أمة بنت قصور العدالة وقلاع مصير عاشت زمانها بعزة مع القدر وحكمت  بالرشد والوجدان وحافظت على حقوق الإنسان كان من كان، هنا ظهر طمو ح بين الأفراد والطموح كثيراً ما يكون قاتلاً، وابتدأ العدوان، زعامات حطمت زعامات، وثورات مزقت وحدة الوطن وهوت الأمة فريسة شعوب رسمت لها خرائط الأوهام حدوداً، يا شعب إني أرى الكسوف وأنا في مشيب الحياة لا أرى حدوداً بل أرى هناك هناك في البعيد على النيل والفرات ودجلة سدوداً، أرى من بحر الظلمات إلى الخليج دويلات مبعثرة في أغوار المفازة خيالات في الظل ما لها وجود، يا شعب أين نحن قاطنون اليوم، والجواب عندي نحن قاطنو ن في قبور الجدود ونواطير القبور علينا شهود والأمم التي وجدت في خفايا المسافات عنا أصبحت في نيران الشمس وشموس في الوجود، هذا جزاء من يطرح ويضرب ويتو ه في الحساب ويشرب عصير الأحلام ويحلم ويمشي وهو يغني أغنية التم ولا يشعر بالحتوف والرحيل، هل هذا هو نظام الكون الذي جعل حياة الأمم كفصول السنين تمر مع الأيام وتسقط أوراق تاريخ على شاطئ الزمان موات أم أن الشيطان الرجيم لعب على حبال الخداع وعتم شعاع لغة أوحت السماء بها لأمة صاغت من الشعاع تاج النصر في الأندلس لغة الوحي تحيي أمتها كما تحيا العنقاء بعد الحريق من الرماد، لغة هذه الأمة يا قوم ما كانت يوماً إلا منجم العقل مولد الآمال شعلة تراث وقودها من ذاكرة العصور، هاتف الأجيال يصرخ على المدى ويدعو الأمة للنهوض من سباتها من خريفها الحضيض من الأكفان للحياة.
يا سادة اللغة الحياة، من دون غديرها لا تكون، عسى أن يطل الصبر علينا من الصمت جاثماً على قمم الجبال يصرخ يا عرب لما هذا الهجوع في الكهوف وانتم لا تبالون؟؟
خليل المطران
توالفت الأوزان والقوافي اجنحة النظيم بالفكر انطادت رفوف بيان وانتشرت على مشارف الجمال في مشارق الأرض ومغاربها وهوت على ضفاف النيل وبردى بعدما اصطادها الخليل ونقش برياشها على قمم البلاغة كنوز الكون خفايا الطبيعة من الابداع ، وغزا بالشعر المستفيض بحور البيداء. هذا خليل شاعر القطرين الموحى اليه من غدير خزينة الصافي شيد منارة هداية نورها استحال مجرات نجوم وكل نجم منها سراجه شعر من أشعاره سابحات في الفضاء كالغيوم تتصافح وتبتسم ثم تندم وتطبق شفاها فترعد وتمطر دموع المحبة ما بين الانسان وأخيه الانسان فى وطن واحد موحد الى الأبد.
لذا اقول الحياة زمان وقدر تحترق كالهشيم والنادر منها يبقى وميض ماس في الرماد، هكذا ودع الخليل الأحبة والجيران وترك إرثه من الرشد أمة عطشى للإرشاد، ترك محيطات من الثقافة والرموز بعدما ابحر في بحور الأبجدية وأخذ يستقي من هديرها صفاء الفكر ومن عواصفها خبرة الأيام على دروب الأجيال فكان حصادها سنابل يانعة من الروية والايقاع ، ومناهل في الحذاقة بعدما صاغ دنيا الحروف وجعل من قرائتها صلاة ومن بنائها يقين ، هذا الجهد المبدع اخذ بعقلي الى الذهول وجعل مسار فكري كمسار الجواثم اسير احلامي بين قرب وبعد، رحم الله خليل المطران من حاك من شعاع بعلبك افكاره فكانت ثروته في الحياة والخلود، رحمات الله عليه .
بعض من خواطره
أحن إليكما كل عشية وضحاها وكلما هب الريح ومر الهوا على ترابكما وتيمم وصلى وناح ء وكلما طير الليل على الأغصان شدا وغدا ما بين الأحراش والوديان وبعد ورجع الصدى من التراب أشواق وحنين وانين.
ناديت “يا جيران يا قلعة بعلبك يا حجر، من القاطنون في البيت اليوم؟”
قالوا بسام وامه في سفر … والبيت حزين وخال ليس فيه أحد، ليس فيه إلا الغبار والقضاء والقدر.”
بكيت ومشيت فكراً مع من كان لو كان اليوم ما كان الذي كان ما كان.
بعلبك
مع الفجر باكراً عند فتح واطباق الجفون وسنا على العيون *والشوارع مسرعةً داخل النور للخفاء، طاف نظري وطاح بقلعة جاثمة على صدر الزمان من البارحة الى غد مع الزمان مديد. هنا تآكلت العصور مع الصخور وانتصر الحجر. هنا تموت الأيام ويموت الانسان وتبقى عواميد البقاء مع الزمان قيثارة الريح تندف من الريح الحان الطيب فتهبط كالنعاس على الجفون وتكبل الطيور برخم أوتارها تغريداً فتصبح عاجزةً عن النهوض من الركو ن . قلعة تصادقت مع الزمان دهوراً في وسط اخضرار فسيح يمتد مع الغيوم تجوالاً، والغيوم كالشاش والشف الناعم تلف التلال والوهاد وتتخل شعاع الشمس ليهبط مع النسيم بطراوة ولين ويمتد الى صنين الى جبين الأرز، جبل عال يعيسش بعزلة ويطل من الافق من القرنة السوداء بعين الود والحنان ويعانق الأرز ويبتسم بسمة حياة نقشت عليها خريطة جمال فرزتها عقلنية الطبيعة . . . . قطعة من الزمان عاشها القدر. :هذا الجمال سكبته في كأس الخيال حقيقة ومن الحقيقة صغت كلمات ي . صنعت أشعاري لوطن ولدت فيه وفيه قدري. ومن هنا نظرت الى الأبيض المتوسط، فما كان عجبي إلا مع حوامل الخيول في اطراد يمر الزمان من تحت حوافرها وهي لا تدري. كالشعراء يشيدون قصور الابداع ويمضون تاركين تراثهم على ترابهم وميض وسم يبقى في الكون كون له نجوم العلوم ء وبحار الشعر طافية على شواطئ الوجود تتصاعد وتتهمر أصواتها بلاغة مطران ، وفلسفة نعيمة ونبوة وحنين جبران .
* الشوارع: النجوم التي تختفي عند الفجر.
جودت حيدر 21/6/1993 .
وجودى لا وجود
وشوش وشوش وشوش شواطئك الرملية يا بحر
بأمواج من السبق غازيات الرمال تيها
تتراجع قهراً بقعقعة فهمها غامض
آه لو علمت ما بها لعلمت سر الوجود والخلود
شريط الحياة وجود لا خلود
خذ من البحر عبرة وامش يا صاح .
على دروب الحياة حكيماً في الوجود
وخذ من الطبيعة اخرى
الشتاء مع قسوته يعطي الحياة عيشها
والربيع وردة خلقت لتموت
لولا قطرة الشتاء لا حياة لا ربيع لا وجود
مشيت مع الزمان شتاء
وقطرة الشتاء ما كان لها وجود
يا زماني ماتت وردتي وأنا تراني ذاهلاً
في وجودي لا وجود

1 حزيران 1984
جودت حيدر
جودت حيدر 21/6/1993 .
البحر
«كن سريعاً» كلحاظ العين ارتفاعاً
وانظر من الأفق إلى الهوادي في البحر، أبداً عطشى للحرية
تسجد، وبقوة قادر تنهض كالمصلين ما بين المد والجزر…
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر…
لقد أيقنت أن الهوادى آمنت بالإنجيل والقرآن ديناً. . . وأنا
أنظر إليها تركع بخشوع وتعمد الشواطئ وتصلي
صلاة الغروب والفجر على الرمال.
تتراجع لتبشر بالتقوى، ما بين الأسماك وسائر الكائنات في
البحر.

هكذا، عظمة عظام الوجنتين تبقى مع الدين عبادةً، ومع
الحرية يقظةً وجهاداً. والخيول أبداً في الطراد تحثها الركاب
لتواكب الرياح مسيرة وأنفاسها براكين بخار تتصاعد سحباً
سابحات فى الفضاء تتلاطم وتتلاحم أصواتها رعوداً،
وبرقها يستشعر كسيوف الشعراء بالفكر الثاقب الوضاح .
سبحانك ربي، هذه الحاميات للبحار والغاديات للبراري كيف
تحن إلى مرابطها ورضيعها، وتهادن الشواطئ لتلملم عباها
وتجري، وهي كالتراب على المحراث تنقلب، عمائم بيضاء،
فرق جهاد معمدة موحدة وموحدة توشوش بعضها بعضاً
أسرار الخلاص من العبودية، فتنصهر مع التكوين لتكون من
لجب البحار مدار قوة كالمرقات على حائط الزمان ترتكز.
ومن أعلى درجاتها سمعت الأسماك وسائر الكائنات في
البحر تنادي: «نحن تعمدنا وآمنا، وآمن البحر على يد شاعر عربي».
رثاء زوجته
تنبعث الحياة مع الزمان نموا
وبمراث الطبيعة تشب وتشيب
لتتوارى بعداً
تردادها مع الريح في غياهب الكون،
خزين عمر يرجع الميت حياً
وأنت، أنت العطرة التي نمت، وفي
ربيعها هوت، وفي عطرها انطوت،
وتجسدت رمز قداسة، وبعد البعاد أصبحت
الحطب.
وكلما رفَ الهوى أدركت معنى الأسى
وكان عيشنا كالشمس طرواة عند
الغروب، وبعد الغروب صفاء
تلك ليالي النجوم والسهر
وعندليب الغاب ينشد الحان الطيب
حتى يغيب القمر، ويطل من المغيب.
هذه الذكريات، كم أتوق إليها
في عزلتي، أحلم بحب كان كالفرات أمواجا تتصاعد.
هنا طال صبري، وتناولت الصبر، وأنا صابر
في غابة الصبر ومن أتاني يراني كالزمان صابر
على صبري.
وأنت يا حبيبتي لا تحزن .
هذا قضاء وقدر.
والحياة ارتفاع جبال وحنو واد.
هذا الكون متناقضات نفي وإيجاب
ولو لم يكن هكذا لما كان.
ما هو إلا هذا العمق لا يحده مدلول،
إلا أكفان العبر في دنيا السكون.
والآن كالنحلة انطلاقاً
أمضي إلى الجبال والقمم.
وبالإزميل أحفر على صخور البقاء
حكاية حبي وما كانت إلا حبآ عقلانياً
ضميره الوفاء.
لا حب قيس وليلى مزيج من الجنون والبكاء.
هذا، وجاء ملاك الرعب، ورحلت مع الأيام
في خريف عمري كروض حور
ضعيف البنية يجف رويدً رويداً على
طريق الهلاك صابر محتار قبالة تعاظم الريح
تهب عاصفة لتجعل من باقي أيامي ركامها.
حبيبتي لا تحزني لأن التلاقي بعد
المنية، والخلد سرمدي معنى لا وجود
والطبيعة ء أبداً، مصدر الخلق، والتفكك
والرجوع، ولو لم تكن هكذا لما كانت لتكون
كما هي معنى ووجود.
وأنت وأنا، ذكرى حياة
رجعت لباطن الأرض جسدا
ً ولباطن السماء روحآ
أتت من عند ربها زمنا وذهبت .
بعض من أقواله
العمر يحترق كالهشيم والنادر منه يبقى وميض ماس في الرماد
«الملايين من البشر تولد وتمر ما بين فكي القدر وتتوارى تباعأ إلى غابة النسيان. والقليل القليل منها يبقى مع العصور وليفاً ومع الأجيال الصاعدة مثالاً يحتذى به، لأن موارد الحياة من الفكر النير هي التي كانت نعمة الذين تركوا كوزهم الفكرية والحياتية شعلة على طريق الآتين، وذهبوا تاركين وراءهم موسوعة معرفة، على شاطئ الخلود مشعشعة أنوارها في دنيا الحصافة قناديل من الحكمة في مجاهل الكون نجوم.»

«عسى أن يطل الصبر علينا من الصمت ويجدينا»
«كم وكم من غدٍ وغدٍ
سيبقى سر الحياة
في الكون دفيناً»

كل شعر كتبته كان خطوات عبر روحي…
في العفل أكثر من خيالات علي هذا الحضر جسداً
معلق يين الحرف والتالي . تمر عليه الحياة عبر وميض وسراب.

«للعقل مقدرة تختلف من فردٍ للأخر. والعقل عجينة قابلة للتطويع ويمكن أن يطبع على سطحها أي شيء نضعه عليها. والإنسان وحده القادر على تطوير هذه العجينة وتشكيلها كيفما شاء. لقد عشت في أميركا فترة طويلة الأمر الذي سهل علي اكتساب اللغة حتى تطور الأمر في النهاية وأذاب أي فجوة بين اللغة والفكر وأصبحت اللغة هي الفكر والفكر هو اللغة …»

«المرأة ولدت من عيون الزمان . . .وحطت في داخلي كما حطت الشمس في داخل الدنيا لتحييها»

من يحارب ديناً من الأديان السماوية مثله مثل من يطلق النار على نجمٍ ليجعل من شعاعه فيض عتمة من الظلام.